علبة الطباشير.. و ما أدراك ما علبة الطباشير، قصة حدثت معي عندما كنت أدرس بالمرحلة الثانوية و بالتحديد الشهادة الثانوية، كنت كغيري من الطلبة و الطالبات مشاكسة و أعشق اللعب و الاستمتاع باللهو في المدرسة كلما سنحت لنا الفرصة، و كانت قصة علبة الطباشير أحد القصص المضحكة التي لازلت حتى الآن كلما تذكرتها أبتسم و أضحك على غباءنا نحن الطلبة الذي فاق المنطق في بعض الأحيان.
قصة الطباشير جرت أحداثها في معمل الكيمياء بمدرسة "مسعود زيدان" الثانوية بحي الأندلس بالعاصمة طرابلس، حيث أننا كنا في المعمل ننتظر قدوم المعلمة، لكنها تأخرت، فما كان منا إلا أن نستغل الوقت في اللهو، فبدأت بعض الطالبات برمي الطباشير على الأخريات كوسيلة للتسلية و المنابشة، و ما لبثت أن تحول هذه المشاكسة إلى حرب بين جبهتين!!
بدأنا نرمي قذائف الطباشير في محاولة لهزيمة الجبهة المقابلة و أثناء الحرب وجدت صندوق طباشير جديد مقفل في المعمل فأخذته معي لنكمل المعركة في الفصل عند خروجنا من المعمل.
انتهت حصة الكيمياء "المادة التي لا احبها و لن أحبها ما حييت"، و عدنا للفصل، عندها أخرجت علبة الطباشير لنستأنف المعركة، فرأتني صديقة و أصيبت بالدهشة، مستغربة من تصرفي، أدركت أن تصرفي كان خطأ، فقررت أن أعيد العلبة لمكانها.
حاولت الدخول للمعمل لأعيدها ولكن منذ ذلك اليوم لم نعد نحضر حصصا فيه، فكرت أن أسلم العلبة للمدرسة وأن أعتذر منها، لكن مصيري كان معروفا في تلك الحالة، فقررت أن أنتظر الفرصة المناسبة لأعيده للمعمل، فكرت في أن أترك العلبة على سبورة الفصل لتستخدمها باقي المدرسات، لكن مصيرها أيضا كان معروفا، سيستخدمها الطلبة في حروبهم الطاحنة من جديد.
وجدت نفسي مضطرة لاصطحاب العلبة معي كل يوم للمدرسة في انتظار الفرصة السانحة لإعادتها للمعمل، ولكن للأسف لم أتمكن من هذا.. بدأت الامتحانات النهائية و انتهت الدراسة و تخطيت المرحلة الثانوية و علبة الطباشير لا تزال بحوزتي، ظللت محتفظة بها في خزانتي، كنت أراها كل يوم عندما أفتح الخزانة و أتسائل يا ترى متى سأتمكن من إعادتها.
التحقت في السنة التالية بكلية الطب البشري، ثم أوقفت قيدي بها و درست "
بالمعهد البائس" لأربع سنوات و لازالت علبة الطباشير في نفس الزاوية بالخزانة.
تعرفت على صديقتي المقربة عندما درست بذاك الصرح البائس، و رويت لها قصة العلبة، و كانت تذكرني بها و تضحك على القصة، وفي السنة الأخيرة من مرحلة الدراسة أي بعد خمس سنوات من وجود العلبة في خزانتي قررت أن أعيدها، فتوجهت في الصباح إلى المدرسة، و قد مضت سنوات لم أمر فيها من تلك الزقاق، دخلت المدرسة فوجدت بعض الطلبة الذين أنهوا امتحاناتهم فقد كانت فترة الامتحانات النهائية.. توجهت نحو الإدارة و إذ بالمدير شخصيا عمر، الملقب بــ"شقيف" يجلس على مقعد أمام الإدارة بنفس الهامة المرعبة، لكن ذلك الرعب زال فقد كبرت، و تلك الهالة الإجرامية التي كانت تحيط به أيام الدراسة لم تعد تخيفني ... سأروي لكم أحد المواقف الإجرامية التي رأيتها منه أثناء فترة الدراسة.
المهم .. توجهت نحوه و قمت بتحيته، و قلت له التالي: قبل خمسة سنوات قمت بتصرف غبي و هو أنني أخذت علبة طباشير لكي نلعب بها، لكنني خجلت من نفسي و أردت أن أعيدها فلم أجد الفرصة المناسبة، فأردت أن أعيدها اليوم، ها هي العلبة هي نفسها كما أخذتها لم تنقص منها قطعة واحدة، أرجو أن تسامحني على هذا التصرف، تفضل العلبة!
فمد يده مصدوما و فمه مفتوح ههههههههه. وضعت العلبة بيده و استأذنته و خرجت دون أن ينطق بحرف واحد من الصدمة!!
خرجت من المدرسة و ابتسامة راحة عريضة مرسومة على وجهي، و أخيرا تخلصت من حمل مزعج كان يرافقني كل يوم طوال تلك السنوات.
هذا بالنسبة للعلبة، أما بالنسبة لمواقف المدير التي رأيتها والتي كان أكثرها إجرامية، في السنة الأخيرة من الشهادة الثانوية، كنت بالقرب من الإدارة، و إذ بطابور من الشباب من المدرسة أوقفهم المدير و تركهم مستندين على الحائط و هو يصرخ في وجوههم، و كانت خطأهم أنهم قد خالفوا الزي العسكري، ثم توجه "شقيف" نحو أحد الطلبة و كان متفوق جدا في المدرسة، و هادئ الطباع و من أكثر الطلبة المهذبين والمميزين دراسيا وأخلاقيا، و صرخ في وجهه لأنه خالف الزي العسكري، ثم و فجأة صفع الطالب صفعة على وجهه رن صداها في المكان و سقط الطالب مغشيا عليه على الأرض..
هنا شعرت بالغضب يتأجج بداخلي، و كنت أريد التوجه إليه و أن أصرخ في وجهه، كنت أنظر للمدرسات لعلّ واحدة منهن أو من المدرسين سيتحرك، لكن لا أحد منهم تجرأ على أن ينطق بحرف واحد، تقدمت نحوه، فأمسكت بي أحد المدرسات و أمرتني بالتراجع .. تقدُّمي هذا لم يكن معناه أنني سأذهب إلى شقيف، فقد كانت خطواتي تتقدم و تتراجع من الخوف و الغضب، فلو تقدمت لكان مصيري أسوأ من مصير ذاك الطالب المسكين.
شعرت يومها بأنني لست في مدرسة، بل في ثكنة عسكرية، كرهته، احتقرته، تمنيت لو انشقت الأرض تنشق وابتلعته.. هل تركنا أهلنا في المدراس أمانة لكي يتصرف هؤلاء المجرمون بنا كما يحلوا لهم.. حسبنا الله و نعم الوكيل.