Monday, January 30, 2012

مخلفات الثورة في نفوس الليبيين


بينما كنت أتجه نحو عملي في السيارة برفقة أبي، قام أبي بتشغيل الراديو على أحد القنوات، كان البرنامج مميزا، فقد كان أسلوب المذيع مهذبا، حديثه و طريقة تعامله و رده على المتصلين يمكنني أن أصفها بالذكية، فلم يكن ينفعل مع أي حديث يفتحه المشاهدون عكس البعض ممن بمجرد أن تتصل و تشكو من قضية ما فتجده يصدقك و يتفاعل معك بطريقة صبيانية للغاية! كان التعقل سيد الموقف مع هذا المذيع...

و فجأة اتصلت دكتورة، من لهجتها و الكلمات التي تستعمل عرفت أنها من أحد مدن شرق ليبيا لكن لم تفصح عن المدينة غير أنها ذكرت اسمها كاملا لكن ذاكرتي تخونني الآن للأسف .. المهم، تحدثت السيدة عن ظاهرة العنف في المدارس، إذ ان أبنتها روت لها قصة أو حادثة حدثت في مدرستهم، فقد قام الطلاب بمظاهرة اعتصام منددين لظاهرة العنف و ضرب الطلبة، و قد كانت سلمية للغاية ولم يقم الطلبة بأي أعمال شغب، علما بأن أعمار الطلبة تتراوح بين التاسعة و العاشرة فقط!!

كان رد فعل الادارة و الأخصائية الاجتماعية "بالذات" بأن قامت بلف حجابها أو الإشارب حول رقبة أحد الطلاب الذي ذكرت الدكتورة المتصلة أن اسمه "سند" و ساقته نحو حجرات الإدارة، مع بعض الطلبة الذين تمكنت المدرسات من ضبطهم، و قامت الإدارة و خصوصا الإخصائية الاجتماعية بضربهم "ضربا مبرحا" حسب تعبير الدكتورة، و تم فصل أحد الطلبة من المدرسة فصلا تعسفيا!!

المدرّسة و الأخصائية الاجتماعية و المديرة، ثلاث عناصر أوكلناها هذه الأمانة "أطفالنا" لكي نبني بهم ليبيا الجديدة، نراهم  يقمن بتدميرها أمام أعيننا و بكل وقاحة!! ما العمل؟؟ عن نفسي منذ سنوات و أنا أجهز برنامجا لتعليم أطفالي في المنزل لأعوض البؤس الموجود في مدارس بلادي، فتنظيف المدارس و تطهيرها من هذه العقليات سيستغرق ردحا من الزمن، لكن لا يمكنني أن أقف منتظرة أن تحترم كل مدرسة نفسها و تحترم أبنائي "المستقبليين" أو أطفالنا جميعاً، فيا تُرى ما هو الحل لهذا؟؟

في الفاصل الذي تلا المكالمة قامت القناة بعرض أغنية "نبوا نعيشوا في حرية .. نبوا نعيشوا في أمان"، يا إلهي كم هي قوية كلمات هذه الأغنية، كلما سمعتها أشعر بمسؤولية كبيرة تجاه أطفال بلادي، فنحن من سنبني لهم بلدا آمنا الآن لكي يحموه و يعمّروه غداً بإذن الله .. لكن بعدها اتصلت سيدة أخرى و طالبت الناس أن يتحلوا بالإيجابية فقد حررنا بلادنا من الطاغية ، ألا يمكننا أن نتحمل القليل لأجل أن تصطلح البلاد؟! و في الفاصل الذي تلا المكالمة الثانية عرض المخرج هذه الأغنية التي أدمت قلبي منذ ساعات الصباح...




هنا ... بدأت أسترجع ذكريات حصار طرابلس، و الفترة التي عشناها محاصرين و مشاعر الخوف و الحزن تتزاحم في قلوبنا جميعا، بالرغم من ثقتنا الكاملة في أننا حزب الله الغالبين ... من دون أن أشعر امتلأت عيناي بالدموع و استرسلت تلك الأيام أمام ناظري من جديد، شعرت بغمّة و ضيق في نفسي، تذكرت الشهداء الذين لم يغيبوا عن فكري يوما ولن يغيبوا، تذكرت الشاب من "اجدابيا" الذي تعهد القذافي بالبحث عنه حفرة حفرة، تذكرت تلك الليالي عندما سهرت لوحدي في الليل أبكي، تذكرت ليالي كثيرة مضت و نحن نسمع قصف طائرات حلف الناتو .. تذكرت الشهداء من وطني و من أهلي ... 

يؤلمني عدم اكتراث البعض لما جرى هنا، و يؤلمني أكثر قولهم بأن الحرب انتهت و أننا في تلك الفترة كنا مسجونين لذلك كنا نشعر بالأسى و أن وقت الحزن قد انتهى، و علينا أن نعود لحياتنا الطبيعية.. لا أستطيع!! حاولت لكن صورتهم لا تغيب عن بالي، أشعر بأنني مدينة لهم و يجب أن أسّدد ذلك الدين، لم يعد لدي رغبة في القيام بالأشياء الروتينية المملة التي لم تقدم لي شيئا، بدأت أطمع في شئ أفضل، أن أكون أفضل مما أنا عليه الآن، أن أقدم كل ما أستطيع تقديمه، أن أحاول على الأقل.. كلما تذكرت ثورتنا و رأيت الثوار ينامون على الأرض أيام الثورة كلما زادت عزيمتي على الاستمرار، لكنني بحاجة لم يقف بجانبي، لمن يشجعني، لا من يهزأ بما أقوم به، و يستصغره!!

بلادي و شعبي بحاجة لي كما هما بحاجة لك، فأرجوك لا تقف في طريقي و ساعدني على الأقل إن لم يكن بالفعل فبكلمة طيبة..

أحبك يا بلادي....