Saturday, February 11, 2012

سؤال لطالما كرهت الإجابة عليه .. من وين متخرجة؟!!...


كأي فتاة أو شاب ليبي، قراراتنا دائما غير معترف بها في أغلب الأحيان إن لم يكن كلها، فدائما نعتبر غير مدركين لمصلحتنا الشخصية، و لا ندرك مدى خطورة قراراتنا، بالذات عندما تكون جريئة و لا تتطابق مع نظرة أهلنا الحذرة جدا والمتخوفة من المستقبل، طبعا كل هذا كان نتيجة للحياة التي قاسوها في عهد معمر، و بناء على هذا الخوف "للأسف" المبرر والذي يعتبر تبريره غير مقنع البتة بالنسبة لي، نتج عن ذلك أن أغلب الشباب لم يعملوا على تحقيق أهدافهم أو حتى السعي لتحقيقها، وذلك لأن ميولهم في أغلب الأحيان غير معترف بها أو يعتبرونها كلاما فارغا و"مبتأكلش عيش" على قول إخوتنا في مصر.

القصة بدأت مذ كنت صغيرة، فقد كنت أعشق الرسم، فجميع كراساتي و كتبي معروف فيها بأن الصفحة الأخيرة و الأولى كلها خرابيش و رسمات، ففي كل صفحة من كتبي المدرسية تجدني رسمت شيئا فيها، مقعدي أيضا لم ينجُ من هذا، فقد كان دائما مليئا بالرسومات و الشخصيات الكرتونية و غيرها من الشخصيات التي كنت أطمح لأنفذ كرتونا لها مستقبلا "حلم حياتي".. المضحك في الماضي "الأيام المغبّرة" أنه كان هناك نقص في المقاعد بالمدرسة، فكنا شبه يوميا عندما نتوجه للصف في الصباح نجد أن أغلب المقاعد قد تمت مصادرتها من قبل طلبة الفصول الأخرى، فنسرع متجولين بين الفصول لإجراء عمليات تمشيط للبحث عنها و استرجاع أملاكنا.. المضحك في الموضوع أن الجميع يتعبون في هذه المهمة عداي، لماذا؟؟ لأن مقعدي مميز بخرابيشه هههههه!!!

قصة أخرى تقريبا في الصف السادس من المرحلة الإبتدائية، فقد كدتُ أقود مدرسة التاريخ للجنون، فقد كنت دائما أسرح أثناء الحصة و أنا أرسم بينما تشرح هي الدرس، فكانت تقف أمامي و تصرخ "هنا حصة تاريخ، إذا كنتي تريدين حصة الرسم، فاذهبي إليها" بيني و بين نفسي كنت أقول "يا ريت!!" لكن إن قلت ذلك فمصيري معروف!! 

ثم وصلت الشهادة الثانوية و أحمد الله أنني كنت آخر دفعة من الثانوية العامة و لم أدرس الثانوية التخصصية، نجحت بتقدير ممتاز، و كان حلمي منذ الصغر أن أدرس بكلية الفنون و الإعلام، و لكن من ذا الذي يتجرأ و يعبر عن رأي كهذا، لم أخبر والديّ بهذا لأنني أعرف مسبقا مصيري المحتوم!! و قررت أن أدرس بكلية الزراعة و أن أتخصص لاحقا في البستنة فقد كنت أهوى النباتات وكنت دائمة التحدث مع النباتات التي كنت أعتني بها بالمنزل، ليست كثيرة أبدا ولكن علاقتي بها كانت ممتازة.

رفض أبي رغبتي بشدة، بحجة أنه مهندس زراعي و يعرف مصير هذه المهنة في ليبيا، هنا سُدّت الأبواب في وجهي، ولم يعد لدى مجال أحبه لأدرسه برغبة، و بدأ الجميع يطرح أفكاره، اقترح أبي أن أدرس بكلية الأسنان و أحمد الله أن الكلية تلك السنة قد أقفلت أبواب القبول و ذلك لاكتفائها و عدم قدرتها على قبول أي طالب تلك السنة.. فاقترحت أمي كلية الهندسة فرفضت، فلا رغبة لي أبدا فيها ولا في التشرد الذي يصحبها فلدينا نموذج حيّ في البيت ألا و هو أختي التي تخرجت من "كلية الهندسة- قسم جيولوجيا"، عندما رفضت الهندسة بقي أمامي خياران الطب أو الصيدلة، الطب لا أحبه لأنني أساسا لا أحتمل رؤية الدم، إذ أن ذلك يشعرني بالقشعريرة، أما عن الصيدلة فكراهيتي لمادة الكيمياء و عدم فهمي لها كفيل بأن يكون السبب كي لا أدرس بها.. لكن للأسف، لا يمكنني قول هذا لأنه لن يستمع لي أحد.. ستقولون ما هذه السلبية؟ لماذا لم تحاولي؟؟ لكنني سأقول لكم بأنه بعد أن تخرجت أخبرت أبي و أمي بأنه سيأتي يوم و أدرس بكلية الفنون لأحقق حلمي فنظر إلي أبي نظرة المصدوم!!! بتفكيري و قراري غير مستوعبٍ لما أقول!!

بناء على المعطيات أمامي و المجبرة عليها قدم والدي طلبا للتسجيل باسمي لكلا الكليتين، و خلال هذه الفترة طلب مني أن أسجل في معهد الحاسوب "غوط الشعال" تحسبا، فلربما رفضت الكليتان طلبي، و بالفعل قمت بالتسجيل بالمعهد و بدأت الدراسة، وطبعا كنت أكره الاختراع الذي اسمه "حاسوب - كمبيوتر" ، و لم أكن أطيق العمل عليه حتى اللعب لم يكن يستهويني!!

و بعد شهر تم قبولي في كلا الكليتين "الطب و الصيدلة" فكنت مخيرة بينهما فاخترت الطب، تسألون لماذا؟ فأنت أساسا لم تكوني ترغبين في دراسة أي منهما!! سأرد، بأن سؤالكم هو الإجابة في حد ذاته، في جميع الأحوال لا رغبة لي في أي واحدة منهما، و أنا مجبرة على الدراسة بالجامعة فلا فرق بالنسبة لي!!!

درست سنة الإعداد بالطب البشري، و يا لها من سنة مريرة، دخلت فيها الامتحانات النصفية دون رغبة، درست القليل و لم أفهم الكثير أبدا و لم أرغب أساسا في دراسته أو حتى فهمه، صحيح أنني تعلمت الكثير من الأشياء و لم أخسر تلك السنة تماما، لكن أظل أُعتبر قد خسرت سنة من حياتي، و في الامتحانات النهائية وصلت إلى قناعة بعدم رغبتي في الاستمرار، لم أقرأ حرفا واحدا، كنت أدخل قاعة الامتحانات غير مبالية بينما الجميع يدرسون و يتبادلون النقاشات، ثم يخرجون من الامتحان منهارين أو يتباكون و غيرهم السعيد و البعض الآخر غير مبالي كما في حالتي!!!

انتهت الدراسة و توجهت إلى نالوت، و بعد فترة جاء والدي لنالوت محملا "بالشيتات" و قال لي بأني رسبت في أربع مواد و نجحت في مادتين و طلب أن أدرس لكي ألتحق بامتحانات الدور الثاني، فأخبرته بأنني لا أريد الرجوع للكلية و لا أرغب في دراسة الطب أصلا، فاستشاط غضبا "إذا لماذا درستي و ضيعتي السنة؟؟!!" يا ترى إن كنت أخبرته بأنني أرغب في دراسة الفنون و الإعلام ماذا كان من الممكن أن يحدث؟؟!! لم أتجرأ على قول شئ و اكتفيت بإقفال الغرفة و البكاء و عدم الجلوس مع أبي لفترة جيدة جدا!!!

عدنا لطرابلس و توجهت للجامعة لأنهي إجراءات خروجي من الكلية فقالت لي صديقتي بأنني رسبت فقط في مادتين و نجحت في أربعة!! صُدمت ولم أفهم، طلبت مني التوجه للنتيجة للتأكد لكنني لم أرغب في ذلك، فلم أكن مهتمة بالموضوع لا الآن ولا قبل ذلك.. استلمت أوراقي و عدت للبيت، و كان يتوجب علي حينها أن أبحث عن مجال لأدرسه!!!

هنا، تدخلت والدتي بعد أن أُقفِلت جميع الحلول أمامي، و اقترحت أن أدرس بمعهد المعلمات، لم أزر يوما معهدا للمعلمات، وبصراحة لم يكن لدي خيار آخر، و صرت أُقتاد من مكان لمكان دون أن أتمكن أو تجرأ على أن أعبر عن ما أحب :( ، أخبرتني أمي بأن المعهد فقط للبنات، أعجبتني الفكرة، و أقنعت نفسي قدر الإمكان بالفكرة، و تسجلت بالمعهد الذي أسميه "المعهد البائس" فقد اكتشفت الكثير من الكوارث في التعليم في ليبيا عندما التحقت بالمؤسسة المنتجة للبنة الأساس للتعليم ألا و هي "المعلم" ... هنا كانت الكارثة، معهد للبنات يطلق عليه "معهد آخر فرصة"!! أنا هدى الناجحة بتقدير امتياز وجدت نفسي فجأة في مكان بهذا الاسم و بهذه السمعة!! كارثة وجدت نفسي فيها، أربع سنوات و أنا أتعايش مع فئة "تافهة" من البنات هدفهن في الحياة الزواج قبل الشهادة، الشهادة عادي حتى و إن كانت ضعيفة أو بالواسطة لا مشكلة، فهناك من سيتحصل لهن على تعيين في مدارس الدولة بالراتب الفلاني و سيتعلمن أسس التدريس الخاصة بهن على الطلبة المساكين الذين هم في الحقيقة حقل تجارب لهذه الفئة الفاشلة من الخريجات!!

خلال الأربع سنين العجاف، ظهرت قناة اسمها"Smarts Way" عشقت هذه القناة "قناة النجاح" باتت قناتي المفضلة، فكلما أردت التفرج على التلفاز كنت أفضلها بين جميع القنوات، و عن طريقها تعرفت على الدكتور المرحوم "إبراهيم الفقي" ، تابعت برامجه و محاضراته، و غيّر طريقة تفكيري السلبية و غرس في نفسي التفكير الإيجابي، و هناك الكثير من الخبراء في القناة كالدكتور "صلاح الراشد"و غيرهما الكثيرون.


في المعهد "البائس" حين تتسائل الطالبات عن مصيرهن بعد التخرج و يخترن الزواج كحل وحيد، كنت أقول لهم بأنني على ثقة تامة بأنني سأحصل على عمل بعد أن أتخرج، و لم تهتز هذه الثقة أبدا.. كنت أقولها و كلّي ثقة في هذا متبعة في هذا "قانون الجذب" .

نقطة أخرى أخافتني كثيرا أثناء دراستي بهذا الصرح البائس، و هي مستوى اللاتي سيدرسن أبنائنا في المستقبل، منذ كنت في المعهد و أنا أفكر في مصير أطفالي "المستقبليين!!"... كنت أحادث نفسي و أقول "يا للهول، هل سأسمح لمثل هذه العاهات أن يقمن بتدمير أطفالي؟!!" .. لم ولن أسمح بهذا، فقررت أن أجهز نفسي لهذه المرحلة، إذ كنت أدوّن أية فكرة لصالح أطفالي في كراسة خاصة لأكون جاهزة في المستقبل لتدريسهم  و ترقيع البؤس الذس سيدرسونه في المدارس الليبية، كنت أتابع برامجا حول تربية الطفل و تعليمه و الأساسيات التي يجب اتباعها و ما يتوجب الابتعاد عنه، تابعت برنامجا مميزا اسمه Art Attack  من أجمل برامج الأطفال التي تابعت، كان يعلم العديد من التقنيات في الرسم و في صنع المجسمات و كان يستخدم عدة تقنيات في أمور لها علاقة بدراسة الأطفال، أكثر ما أعجبني عندما صنع مجسما لأحفورة و مرة صنع مجسما رهيبا للمجموعة الشمسية و غير ذلك الكثير من الأفكار المميزة جدا .. كنت أتابع البرنامج يوميا وقت الظهيرة على قناة المستقبل في تلك الفترة، و أدون تلك الأفكار لأجهزها لأجل أطفالي .... من الممكن أن تقولوا بأن هذه الفتاة قد جنّت وفقدت عقلها، لكن صدقوني ما رأيته من تدنٍّ في مستوى تعليم و تدريب و تأهيل من هن مربيات الأجيال قد أقنعني جديا بهذا...



لكن و بحمد من الله، و فور انتهاء امتحاناتي النهائية بالسنة الأخيرة توجهت لنالوت للاستعداد لزفاف خالتي، لكن قبل انتهاء الامتحانات قمت بتجهيز سيرتي الذاتية التي كانت شبه فارغة هههههه و أرسلتها للكثير من الشركات، ولم أطلب منهم قبولي للعمل، بل طلبت أن أتدرب، أن يسمحوا لي بمراقبة ما يفعلون، فقد كنت عديمة الخبرة في مجال العمل ومن المستحيل أن تقبل شركة توظيف خريجة معهد معلمات فلا علاقة لما درسته بعالم العمل أي الشركات، فلم أفكر أبدا بالالتحاق بالمؤسسات الحكومية.

توجهت لنالوت و كنا نستعد لزفاف خالتي و قبل الزفاف بيومين اتصلت بي سكرتيرة مدير شركة الثقة للتأمين و طلبت مني الحضور لإجراء مقابلة، كانت مفاجأة سارة جدا بالنسبة لي .. قمت بزيارة الشركة بعد عودتي من نالوت، و عندما دخلت لمكتب المدير كان هناك ثلاث سكرتيرات مكاتبهم بجانب بعضهن، أول فكرة تبادرت إلى ذهني، هي "الحاج متولي و زوجاته" هيهيهيهيهيهيهي.

كان المدير صارما مرعبا !! أنهيت المقابلة لكنه طلب مني استمارة التخرج التي لم تكن قدر صدرت بعد، وعدت للمنزل و مرت الأيام و معدل الكآبة يزداد بسبب البقاء في المنزل دون جدوى، أيام تضيع و أنا في البيت دون فائدة!!! و في أحد الأيام أخبرتني  أختي بأن هناك وظيفة لي، كنت نائمة من الغضب بسبب الفراغ، توجهت إليها متظاهرة باللامبالاة!! فأخبرتني بأن هناك شركة تريد توظيف فتاة درست الكمبيوتر، فأخبرتهم عني، توجهت للشركة لإجراء مقابلة فأخبروني بأنهم سيدربونني لشهر ثم سيقررون، أنتهى الشهر و عملت بشركة "شركة العنكبوت الليبي"، ورويدا وريدا صرت المصممة الرئيسية بالشركة، أي أنني أعمل مصممة مواقع  و هذا هو المجال الذي كنت منذ طفولتي أحبه و أعشقه "الرســـــم"، حاولت أن أحقق هدفي بالموجود، فكل ما أريده موجود على الانترنت، ولا عذر أمامي، و ليس أمامي إلا الاجتهاد، ولا زلت في بداية الطريق لكنني سأستمر ولن أتوقف و إن واجهتني العقبات، و رجائي أن أكون قوية و أن يقف أصدقائي بجانبي لتشجيعي للاستمرار.


بداية شهر فبراير من سنة 2012 قررت أنه حان وقت بدأ مشروع جديد، حان وقت التغيير والانتقال للمرحلة التالية، فقد اكتسبت خبرة لا بأس بها ستساعدني على أن أخطو الخطوة التالية، جهزت ملفاتي و حاولت تصفية المشاريع التي أعمل عليها وما لم أكمله أخذته معي للبيت لإكماله، في آخر يوم من شهر فبراير سنة 2012 أرسلت استقالتي للمدير الذي كان مسافرا حينها، ومن هنا بدأت المغامرة المجنونة، نعم هكذا أسميها، مغامرة تأسيس عمل خاص في بلد خرج للتو من حرب مجنونة ولازال يعاني من تبعاتها والتي تنعكس نتائجها سلبا على مغامرتي هذه، لكنها مغامرة ولا بد أن تتوفر كل العناصر المجنونة فيها،، مغامرتي العزيزة هي "شركة الهاء للتصميم" شهر سبتمبر القادم سيكون قد مر عام منذ أعلنا على تأسيسها، الفرق بين أول يوم أسسناه فيها والآن لن أقول أنه فرق كبير فقد بدأناها بإمكانيات بسيطة للغاية بدون أي دعايات حتى الآن، بمحاولات متواضعة، لكن يكفيني شرفا أن منحنا الكثير من الزبائن ثقتهم وتعاملوا معنا وكسبنا معرفتهم وأتمنى أن يكونوا سعداء بخدماتنا، صحيح أن المؤسسات الحكومية تعاملت معنا بتعال لأننا شركة حديثة التأسيس ولم تكترث أبدا بتاريخ عملنا لكن لا مشكلة فهذه بداية كل مغامرة ورحلة، لست مستعجلة فلا بد أن أسير كل خطوة وأمنح كل لحظة حقها.


ربي خالقي من يكرمني بكرمه حتى وإن شغلني العمل وأبعدني عنه (ولست فخورة بنفسي أبدا)، أهلي وابن عمي وسام الذي وقف بجانبي عندما أخبرته بأنني أطمح لتأسيس عمل خاص وكان شريكا لي لدعمي في مرحلة التأسيس لهذا المشروع ولا يزال، أصدقائي وصديقاتي "لن أذكر الاسماء فكل واحد منكم يعرف مقدار معزته عندي وأنه كان خير عون لي" الذين كانوا عونا لي ورافعين لمعنوياتي طوال الوقت بكل السبل التي أتيحت لهم، وطني الذي يتمنى أن أصبح أفضل وأنجح لولا المزعجون ممن يسدون الطرق في وجهي بشتى الطرق، الأشخاص الذين ينتظرون فشلي بفارغ الصبر ليشمتوا، جميعكم أشكركم الشكر الجزيل فكل واحد منكم قدم لي سببا ودافعا للاستمرار، سعيدة بوجودكم في حياتي، سعيدة جدا.

خلاصة القصة.. 
  1. خوف أهلنا مبرر، و لكن هذا ليس عذرا لكي يحرمونا من حق أن نقرر مصيرنا، فكما كان لهم الحق في أن يقرروا مجال دراستهم، فمن حقنا نحن أيضا أن نقرر هذا بأنفسنا... بسبب خوفهم ضاعت خمس سنوات من حياتي، إحداها بالطب و الأخريات في ذاك "المعهد البائس".
  2. أدركت بأن قانون الجذب فعلا صحيح، فبعد شهرين فقط من تخرجي توظفت و حصلت على وظيفة بشركة مرموقة حسنة السمعة و الخدمات، و بها فريق عمل ودود رائع منتقى بعناية خاصة.

رحمك الله يا دكتور "إبراهيم الفقي" و الشكر الجزيل لقناة "Smarts way" التي افتتحت في الوقت المناسب جدا بالنسبة لي.

Friday, February 10, 2012

الدكتور إبراهيم الفقي ..



قبل قليل جاءت أختي مسرعة نحو الغرفة و أخبرتنا بأنها قرأت خبرا صاعقا على الجزيرة.. حبسنا أنفاسنا ترقبا للخبر، و إذ به خبر وفاة الدكتور "إبراهيم الفقي" .. صدمة كبيرة آلمتني، ذكرتني فورا بالمخرج الراحل "مصطفى العقاد".. شخصان قدّما الكثير الكثير للناس من دون حسبان أو تردد، ساهما في بناء أجيال و رفعا الهمم و الطموحات لدى الشباب.. لن أنكر أبدا أن الدكتور إبراهيم الفقي هو أكثر شخص قد قدم لي الكثير.. لولا كرمه في تقديم كل ما يعرف من علم و خبرة لنا لما وصلت لهذه المرحلة.. ولما أحببت الحياة، لولا عطاؤه لكنت الآن دون هدف، دون أمل في الحياة...

آخر ماكتبه الدكتور الراحل "إبراهيم الفقي" على تويتر قبل وفاته "ابتعد عن الأشخاص الذين يحاولون التقليل من طموحاتك بينما الناس العظماء هم الذين يشعرونك أنك باستطاعتك أن تصبح واحدا منهم"

رحم الله الدكتور إبراهيم الفقي" و أسكنه فسيح جنانه مع الصديقين و الصالحين....


Thursday, February 9, 2012

Message from Libya...





"It's time to come together, what's important is not what's gone, but what remains... we know that the solutions are there today, we all have the power to change, so what we are waiting for....؟"



Wednesday, February 8, 2012

حكمة للبيع...

بقلم: محمد عبد الوهاب جسري 

كنت أقف في دوري على شباك التذاكر لأشتري بطاقة سفر في الحافلة إلى مدينة تبعد حوالي 330 كم، وكانت أمامي سيدة ستينية قد وصلت إلى شباك التذاكر وطال حديثها مع الموظفة التي قالت لها في النهاية: الناس ينتظرون، أرجوكِ تنحّي جانباً. فابتعدت المرأة خطوة واحدة لتفسح لي المجال، وقبل أن أشتري بطاقتي سألت الموظفة عن المشكلة، فقالت لي بأن هذه المرأة معها ثمن بطاقة السفر وليس معها يورو واحد قيمة بطاقة دخول المحطة، وتريد أن تنتظر الحافلة خارج المحطة وهذا ممنوع. قلتُ لها: هذا يورو وأعطها البطاقة. وتراجعتُ قليلاً وأعطيتُ السيدة مجالاً لتعود إلى دورها بعد أن نادتها الموظفة مجدداً.


اشترت السيدة بطاقتها ووقفت جانباً وكأنها تنتظرني، فتوقعت أنها تريد أن تشكرني، إلا أنها لم تفعل، بل انتظرتْ لتطمئن إلى أنني اشتريت بطاقتي وسأتوجه إلى ساحة الانطلاق، فقالت لي بصيغة الأمر: احمل هذه... وأشارت إلى حقيبتها.

كان الأمر غريباً جداً بالنسبة لهؤلاء الناس الذين يتعاملون بلباقة ليس لها مثيل. بدون تفكير حملت لها حقيبتها واتجهنا سوية إلى الحافلة، ومن الطبيعي أن يكون مقعدي بجانبها لأنها كانت قبلي تماماً في الدور.

حاولت أن أجلس من جهة النافذة لأستمتع بمنظر تساقط الثلج الذي بدأ منذ ساعة وأقسم بأن يمحو جميع ألوان الطبيعة معلناً بصمته الشديد: أنا الذي آتي لكم بالخير وأنا من يحق له السيادة الآن! لكن السيدة منعتني و جلستْ هي من جهة النافذة دون أن تنطق بحرف، فرحتُ أنظر أمامي ولا أعيرها اهتماماً، إلى أن التفتتْ إلي تنظر في وجهي وتحدق فيه، وطالت التفاتتها دون أن تنطق ببنت شفة وأنا أنظر أمامي، حتى إنني بدأت أتضايق من نظراتها التي لا أراها لكنني أشعر بها، فالتفتُ إليها.

عندها تبسمتْ قائلة: كنت أختبر مدى صبرك وتحملك.

- صبري على ماذا؟
- على قلة ذوقي. أعرفُ تماماً بماذا كنتَ تفكر.
- لا أظنك تعرفين، وليس مهماً أن تعرفي.
- حسناً، سأقول لك لاحقاً، لكن بالي مشغول كيف سأرد لك الدين.
- الأمر لا يستحق، لا تشغلي بالك.
- عندي حاجة سأبيعها الآن وسأرد لك اليورو، فهل تشتريها أم أعرضها على غيرك؟
- هل تريدين أن أشتريها قبل أن أعرف ما هي؟
- إنها حكمة. أعطني يورو واحداً لأعطيك الحكمة.
- وهل ستعيدين لي اليورو إن لم تعجبني الحكمة؟
- لا، فالكلام بعد أن تسمعه لا أستطيع استرجاعه، ثم إن اليورو الواحد يلزمني لأنني أريد أن أرد به دَيني.

أخرجتُ اليورو من جيبي ووضعته في يديها وأنا أنظر إلى تضاريس وجهها. لا زالت عيناها جميلتين تلمعان كبريق عيني شابة في مقتبل العمر، وأنفها الدقيق مع عينيها يخبرون عن ذكاء ثعلبي. مظهرها يدل على أنها سيدة متعلمة، لكنني لن أسألها عن شيء، أنا على يقين أنها ستحدثني عن نفسها فرحلتنا لا زالت في بدايتها.

أغلقت أصابعها على هذه القطعة النقدية التي فرحت بها كما يفرح الأطفال عندما نعطيهم بعض النقود وقالت: أنا الآن متقاعدة، كنت أعمل مدرّسة لمادة الفلسفة، جئت من مدينتي لأرافق إحدى صديقاتي إلى المطار. أنفقتُ كل ما كان معي وتركتُ ما يكفي لأعود إلى بيتي، إلا أن سائق التكسي أحرجني وأخذ مني يورو واحد زيادة، فقلت في نفسي سأنتظر الحافلة خارج المحطة، ولم أكن أدري أنه ممنوع. أحببتُ أن أشكرك بطريقة أخرى بعدما رأيت شهامتك، حيث دفعت عني دون أن أطلب منك. الموضوع ليس مادياً. ستقول لي بأن المبلغ بسيط، سأقول لك أنت سارعت بفعل الخير ودونما تفكير.

قاطعتُ المرأة مبتسماً: أتوقع بأنك ستحكي لي قصة حياتك، لكن أين البضاعة التي اشتريتُها منكِ؟ أين الحكمة؟

- "بَسْ دقيقة".
- سأنتظر دقيقة.
- لا، لا، لا تنتظر. "بَسْ دقيقة"...هذه هي الحكمة.
- ما فهمت شيئاً.
- لعلك تعتقد أنك تعرضتَ لعملية احتيال؟
- ربما.

- سأشرح لك: "بس دقيقة"، لا تنسَ هذه الكلمة. في كل أمر تريد أن تتخذ فيه قراراً، عندما تفكر به وعندما تصل إلى لحظة اتخاذ القرار أعطِ نفسك دقيقة إضافية، ستين ثانية. هل تعلم كم من المعلومات يستطيع دماغك أن يعالج خلال ستين ثانية؟ في هذه الدقيقة التي ستمنحها لنفسك قبل إصدار قرارك قد تتغير أمور كثيرة، ولكن بشرط.

- وما هو الشرط؟

- أن تتجرد عن نفسك، وتُفرغ في دماغك وفي قلبك جميع القيم الإنسانية والمثل الأخلاقية دفعة واحدة، وتعالجها معالجة موضوعية ودون تحيز، فمثلاً: إن كنت قد قررت بأنك صاحب حق وأن الآخر قد ظلمك فخلال هذه الدقيقة وعندما تتجرد عن نفسك ربما تكتشف بأن الطرف الآخر لديه حق أيضاً، أو جزء منه، وعندها قد تغير قرارك تجاهه. إن كنت نويت أن تعاقب شخصاً ما فإنك خلال هذه الدقيقة بإمكانك أن تجد له عذراً فتخفف عنه العقوبة أو تمتنع عن معاقبته وتسامحه نهائياً. دقيقة واحدة بإمكانها أن تجعلك تعدل عن اتخاذ خطوة مصيرية في حياتك لطالما اعتقدت أنها هي الخطوة السليمة، في حين أنها قد تكون كارثية. دقيقة واحدة ربما تجعلك أكثر تمسكاً بإنسانيتك وأكثر بعداً عن هواك. دقيقة واحدة قد تغير مجرى حياتك وحياة غيرك، وإن كنت من المسؤولين فإنها قد تغير مجرى حياة قوم بأكملهم... هل تعلم أن كل ما شرحته لك عن الدقيقة الواحدة لم يستغرق أكثر من دقيقة واحدة؟

- صحيح، وأنا قبلتُ برحابة صدر هذه الصفقة وحلال عليكِ اليورو.
- تفضل، أنا الآن أردُّ لك الدين وأعيد لك ما دفعته عني عند شباك التذاكر. والآن أشكرك كل الشكر على ما فعلته لأجلي.

أعطتني اليورو. تبسمتُ في وجهها واستغرقت ابتسامتي أكثر من دقيقة، لأنتهبه إلى نفسي وهي تأخذ رأسي بيدها وتقبل جبيني قائلة: هل تعلم أنه كان بالإمكان أن أنتظر ساعات دون حل لمشكلتي، فالآخرون لم يكونوا ليدروا ما هي مشكلتي، وأنا ما كنتُ لأستطيع أن أطلب واحد يورو من أحد.

- حسناً، وماذا ستبيعيني لو أعطيتك مئة يورو؟
- سأعتبره مهراً وسأقبل بك زوجاً.

علتْ ضحكتُنا في الحافلة وأنا أُمثـِّلُ بأنني أريد النهوض ومغادرة مقعدي وهي تمسك بيدي قائلة: اجلس، فزوجي متمسك بي وليس له مزاج أن يموت قريباً!

وأنا أقول لها: "بس دقيقة"، "بس دقيقة"...

لم أتوقع بأن الزمن سيمضي بسرعة. كانت هذه الرحلة من أكثر رحلاتي سعادة، حتى إنني شعرت بنوع من الحزن عندما غادرتْ الحافلة عندما وصلنا إلى مدينتها في منتصف الطريق تقريباً.

قبل ربع ساعة من وصولها حاولتْ أن تتصل من جوالها بابنها كي يأتي إلى المحطة ليأخذها، ثم التفتتْ إليّ قائلة: على ما يبدو أنه ليس عندي رصيد. فأعطيتها جوالي لتتصل. المفاجأة أنني بعد مغادرتها للحافلة بربع ساعة تقريباً استلمتُ رسالتين على الجوال، الأولى تفيد بأن هناك من دفع لي رصيداً بمبلغ يزيد عن 10 يورو، والثانية منها تقول فيها: كان عندي رصيد في هاتفي لكنني احتلتُ عليك لأعرف رقم هاتفك فأجزيكَ على حسن فعلتك. إن شئت احتفظ برقمي، وإن زرت مدينتي فاعلم بأن لك فيها أمّاً ستستقبلك. فرددتُ عليها برسالة قلت فيها: عندما نظرتُ إلى عينيك خطر ببالي أنها عيون ثعلبية لكنني لم أتجرأ أن أقولها لك، أتمنى أن تجمعنا الأيام ثانية، أشكركِ على الحكمة واعلمي بأنني سأبيعها بمبلغ أكبر بكثير.

"بس دقيقة"... حكمة أعرضها للبيع، فمن يشتريها مني في زمن نهدر فيه الكثير الكثير من الساعات دون فائدة؟