خلال الآونة الأخيرة أو بالأحرى قبيل الثورة لأكثر من سنة بدأت تظهر علي أعراض الاكتئاب، لأسباب كثيرة سأذكر البعض منها في هذه المقالة.
منذ سنوات ربما من 2008 كنتُ كلما تابعت نشرات الأخبار و رأيت البؤس الذي تعيشه الأمة الإسلامية والاضطهاد والظلم الذي تتبعه الحكومات العربية، فقر المواطنين، معاناتهم و الكثير مما لا يسعد القلب ولا الخاطر، قررت أن أبتعد عن كل هذا و أتوقف تماما عن متابعة أي نوع من الأخبار أو البرامج السياسية، و السبب أنني كلما حضرت إحداها أو سمعت خبرا تعيسا دخلت في حالة اكتئاب رهيبة، تقيدني و تمنعني من الرغبة في فعل أي شئ من فرط التعاسة و الإحباط و الدمار النفسي الذي كنا نعيش فيه.
غير أني متفوقة في عملي و الحمد لله وأملك من الإيجابية و الرغبة في تعلم الجديد والأمل ما يكفي تلك الفترة لأفكر في أن أؤسس عملا خاصاً إبان حكم "المجنون" لكن الاستعدادت لم تكن كافية حينها ولا التشجيع، أساسا لم أطرح الفكرة على أحد ولم أطلب مشورة أحد بخصوصها!!
اعتزلت تماما العالم الخارجي لا أعرف شيئا عن ليبيا أو عن فلسطين او دولة أخرى، لا شئ .. وبهذه الطريقة حافظت على قواي العقلية طوال السنين الماضية، لكن مع مواقف محبطة و خيبات أمل كثيرة وانكسار للقلب كان السبب الرئيسي في حالة الاكتئاب التي استمرت لخمس سنوات متتالية، للأسف كانت كل العوامل المحيطة مساعدة جدا في تأزمها (ميمشيش خيالكم بعيد و تديروا فيلم هندي تعيس، نعرفكم عندكم خيال جامح)!!
شئ آخر هو أنني لا أعبّر عمّا أشعر به، بالذات عند الشعور بالحزن، الكبت، لا أعبر عن شعوري و أكتم في قلبي أو أبكي في غرفة مقفلة بصوت مكتوم حتى (أتخمد و أنام) فلا أحب البكاء أمام أحد و أريد أن يرى مخلوق دموعي، لهذا دائما أكتم و أكتم و أكتم في قلبي.
ظروف الحياة التي عشناها في ظل حكم أو بالأحرى قمع "المجنون" كان لها دور فعال جدا في تغيير مسار حياة الإنسان وفرض أشياء لا نريدها كانت السبب الرئيسي في تغير تفكيري وأسلوبي في الحياة مع الناس، وكانت السبب الرئيسي في بناء قناعات تخصني ولم أكترث لرفض الناس لها وعدم قناعتهم بها طالما أنني مقتنعة بما أفعل (علما بأن هلبة أجزاء من هذه القناعة غلط -اجتماعيا- لكنني عثرت على حجة لأفرض صحة قراري)، ومن هنا بدأت البلادة تسيطر على حضرة جنابي، عدم الاهتمام بأي شئ قد يكون مثيرا لدى الناس .. كل شئ حاجة عادية ومش مهم.
ثم حان الموعد الحاسم (ثورة الياسمين) بدأت أسارير الأمل تلوح في الأفق، عندما سمعت بثورة تونس كان أول ما خطر ببالي "قصدكم يعني فيه أمل يتنحوا المجانين اللي يحكموا فينا"!! اكتشفت أنني كنت فاقدة تماما لأي أمل، مع أنني كنت وأسرتي دائما ننتظر اليوم الذي نتوجه فيه نحو جبل نالوت من دون أن يكون هناك تلك المقولات السخيفة على جدران "الشريوني".. بعد انتهاء ثورة تونس كنت أترقب، ترى هل الدور علينا الآن، لكن خيبة الأمل كانت أن كان الدور على مصر.
حتى يوم الخامس عشر (تقريبا) من فبراير 2011 لم نكن واثقين من أن هناك ثورة في السابع عشر، لكن فجأة تم قفل موقعي الفيس بوك و التويتر فأدركت بأنه هناك ثورة ستحصل في البلاد، جمعت كل ما لدي في المكتب مما سأحتاج أثناء غيابي، توجهت نحو مكتب المدير وأخبرته بأنني لن آتي بعد الأن حتى تستقر الأوضاع.
و فعلا بدأت الثورة، لم نكن نتوقع أن تكون بهذه القسوة، و هنا بدأت الصدمات تتوالي و تذرف الدموع في منتصف الليل مرة أخرى ولوحدي، حتى في عز الألم و كل الشعب يبكي لم أتمكن من أن أبكي أمام أحد!!
استمر الوضع و تتوالى الأخبار، الشهداء يتوجهون نحو الجنة الشهيد تلو الآخر و مرة نسمع بشهيد من أقربائي، ثم جريح منهم فسجين و هكذا ... مرت تلك الشهور بطيئة سمعنا فيها ما يبهج من أخبار وما يفطر القلب، لكني لم أفقد الأمل يوما وكنت متأكدة من أننا الرابحون بإذن الله و إن طال الزمن..
انتهت الثورة أو بالأحرى تحررت طرابلس، و لم أخرج ما كنت أكتم أو حتى لم اتمكن من أن أعبر أو أخرج ما كنت أشعر به، لنفس السبب لم أتعود يوما على التعبير عن مشاعري أو حتى كيف أقوم بفتح القفص و الإفراج عنها .. مرت الأيام ثم يصلنا خبر قتل "المجنون" فرحت خرجت يومها من العمل توجهت نحو مركز طرابلس بالقرب من قصر الملك لأحتفل مع الناس لكني لم أستطع، كنت أمشي في الشارع أنظر للناس يحتفلون و يرقصون وسط الشارع، يغنون كالمجانين من فرط السعادة، النساء يقدن السيارات و يزغرتن، و أنا أنظر إليهم من دون أي مشاعر، للحظة فكرت شن مصيبتي، هل أنا طحلوبة لكي أتصرف هكذا!! كان الناس ينظرون لي نظرات تساؤل و في أعينهم سؤال واحد، لماذا ليست سعيدة؟؟ في هذا اليوم اكتشفت بأنه هناك مشكلة كبيرة بحاجة لحل فوري، لكن لم أعرف ما هو الحل!!
صرت كلما كان مزاجي جيدا فرحت وحاولت أن استمتع به قدر الإمكان، لكن كلما تصفحت الانترنت وواجهني خبر عن الشهداء او عن وضع البلد أو حتى صورة شهيد عدت و انقلب مزاجي 180 درجة، أبدأ بتصفح صور الشهداء وأدخل في ذاك المزاج التعيس فأتوجه للنوم على أمل أن يكون غدا يوما أفضل.. و أكتب في حسابي على الفيس بوك Bad Mood!
خيبات الأمل المتوالية و كبت المشاعر منذ الماضي و الصدمات النفسية كانت نتيجتها أن كل الصمود الذي كنت أتباهى به في الماضي و الجبروت (مجرد تقريب للصورة هيهيهي) قد انهار تماما، لم أعد قادرة على المقاومة، مشهد بسيط، كلمة بسيطة بإمكانها أن تكون سببا في سيل الدموع من جديد و انقلاب المزاج...
هناك مسلسل تركي أتابعه كل جمعة، عندما أحضره لا أجلس لأحضر الحلقة كاملة، لأنني أتابع القليل ثم أخرج عندما تمتلئ عيناي بالدموع لأنني لن أتمكن من أن أتفرج و أفجر تلك الدموع براحتي، كما أنه ليس منطقيا أن أبكي على كل شئ!! مقطع رسوم كرتون مؤثر كفيل بأن يجعلني أبكي!! مهزلة!!
أعرف بأن بعض الأقرباء سيقرأون مقالتي و يحللونها كما شاؤوا، لست مهتمة بما سيقولون، فما يهمني أن أخبر الجميع بأنني لم أجن بعد، فقد اتصل بي أحد الأصدقاء عندما أقفلت حسابي على الفيس بوك منذ يومين و سألني ما مشكلتي بالضبط، يوما أكتب بأنني سعيدة و بعدها بساعات أكتب أنني حزينة و فجأة يجدني قد اقفلت حسابي، سألني: "هل أنتِ في الطريق نحو الجنون؟؟" ، لهذا أحببتُ أن أوضح لكم بأن حالتي النفسية لم تعد تحتمل تعاسة العالم و البؤس و القتل و الدمار الذي يعيشه البشر بسبب من يمسكون بالسلطة و من يسرقون أموال و تعب و جهد الآخرين ...
خلاصة القول .. هدى لم تجن بعد و الحمد لله ... اطمئنوا يا شعبي العزيز التعيس :)