لم أعرفه يوما، ولم أسمع عنه من قبل، لكن القدر شاء أن أتعرف عليه بعد استشهاده، وكم تمنيت لو لم يحدث هذا.
بعد عيد الفطر توجهت إلى بيت والدي الشهيد "عماد زكري" لألتقي بوالدته و أتعرف على هذه الأم القوية التي ألهمت الكثيرات من أمهات و زوجات الشهداء الصبر و القوة و الاحتساب، توجهت إلى بيتها بعد أن أدينا صلاة العصر بساعة تقريبا، استقبلتنا أخته و أدخلتنا حيث تجلس أم الشهيد الصابرة "أم السعد المقدمي" انحنيت نحوها و سلّمت عليها، قالت بأنها لا تستطيع الوقوف فقدماها ليستا على ما يرام و أعتقد بأن جميعنا لاحظ هذا على الشريط المسجل لها و هي تودّع ابنها. كنا قد زرناها لنسجّل لقاءً مرئيا لها نوجّه فيه بعض الأسئلة للتعريف بها و بعماد ابنها الشهيد، لكنها ما إن بدأت في الحديث لم يتمكن أحد من مقاطعتها، فقد كانت الذكريات تسترسل في ذاكرتها الواحدة تلوة الأخرى، منذ ولادة "عماد" حتى استشهاده، لم أتجرأ على مقاطعتها، كنت أستمع لها و قلبي يخفق من روعة علاقة هذه الأم بابنها، كانت الدموع تملأ عيني و أحبسها لروعة هذا الشاب الذي قتله الطاغية و حرم ليبيا منه.
أم الشهيد الصابرة "أم السعد المقدمي" وهي تودع ابنها قبل أن يوارى الثرى
"عماد" مهما تحدثت عنك فإنني لن أتمكن من أن أعطيك حقك، لا أعرفك يا عماد ولكن صورتك لا تفارقني، ولا أستطيع محيها من ذاكرتي، تمنيت لو عرفتك سابقا لأقدم يد المساعدة قدر ما استطعت، فقد كان هذا في الإمكان لولا أن شاء القدر عدم حدوثه.
على اليسار الشهيد "عماد زكري" على اليمين الشهيد "علي الجربي"
قبل أن أكتب هذه المقالة كان هناك الكثير من الكلمات تتطاير في ذهني ولهذا قررت الكتابة بعد إن غبت عنها لأكثر من شهرين، ولكن الكلمات تعجز عن التعبير الآن.
"عماد زكري" شاب خلوق له من الطيبة و الحنان ما لا يمكن أن تتخيل، عندما كانت والدته تروي لي أحاديثها معه، وعن جلساتهما كنت أتمنى لو كنت موجودة حينذاك، ماهذا الحنان الذي يملأ قلبيهما، قصتهما رهيبة، نبع من الحنان كان يسري في قلب السيدة "أم السعد" والدة عماد، مما أدى إلى هذه النعمة التي روتلي عنها " نعمة الابن البارّ".
روت الكثير أستذكر منه مقطعا، إذ تقول عمتي "أم السعد" بأني عماد عندما كان يعود من العمل متأخرا مرهقا فيتكئ على حضنها، كانت تداعب شعره و تطعمه من دون رغبة منه متحججاً بأن العمل أرهقه وبأن لا طاقة له على الأكل، و لكنها تستمر في إطعامه بيدها، ورويدا رويدا ما يلبث إلا أن يجد نفسه قد أنهى عشائه، فيخبرها مستغربا عن الطاقة التي تدللـُــه بها فتهوّن عليه مصائب الدنيا و تُزيح عنه تعب يوم كامل، كان يخبرها بأنها عندما تمسح براحة يدها عليه كأن هموم الدنيا تزول في لحظة ... حوارات كثيرة جعلتني طوال وقت اللقاء أتمنى لو كنت عرفتُ هذا الشاب الحنون من قبل.
عندما غابت الشمس غادرنا المنزل، كنت أتمنى لو كان بإمكاني البقاء و الاستماع للمزيد من القصص عن عماد، لكن ذلك لا يصح فاضطررت للمغادرة، صعدت السيارة و لم يكن ببالي غير فكرتين رئيسيتين أولاهما، أن على الأمهات و الآباء أن يعرفوا أهمية الحنان بالنسبة للأبناء، وأنه إذا ربيت أبنائك بناء على مبدأ الرحمة و الحنان فتوقع وثق بأنهم سيبادلونك المعاملة و الشعور و سيكونون عونا لك في مشيبك،، النقطة الأخرى هي أنني كم تمنيت لو لم أحضر أو أسمع كل ما روته لي، فقد ازداد شعور الألم بفراق شهيد آخر من بلادي، شهيد أنا علي يقين بأنه لو تحصل على فرصة لأنجز الكثير الكثير و لعاش حياة كريمة كما كان يتمنى.
وفي الأخير ليس لدي ما أقول غير حسبي الله و نعم الوكيل فيك يا معمر.
4 comments:
جزاك الله كل خير
وعيدك مبروك :)
ادراجك ف وقته و مكانه اسمحى لى ان ابدى احترامى واعجابى الشديد فهذه الام تحديدا فعلت الاعاجيب لله ذرها وربى يجزيها عنا كل خير ويرحم ابنها فلذة كبدها وينوله الجنة ان شاء الله
الله يسلمك و كل عام وأنتِ بخير
فعلا ، هذه الأم التي ألهمتنا جميعا هذه القدرة على الصبر وفي نفس الوقت التي أبكتنا جميعا كلما سمعناها تدعو الله ان يلهمها الصبر ... أنتظر عودتها من موسم الحج على أحرّ من الجمر، فقد اشتقت لها ولا أعرف سبب رغبتي الدائم في رؤيتها و الحديث معها.
لا كان هكى بالله عليك متحرمينا ^_^ لو ف برنامج او شئ ياريت تم مراسلتي بالخصوص واجرك حاصل ان شاء الله
الله يصبر هالام الطيبة على مافقدته وان شاء الله هو وكل شبابنا الشهداء في جنات النعيم بما لديهم فرحون..جعلتي الغصة تحتقن بالقلب على هذا المصاب ونحتسب الله وحده في ما فقدناه من شهداء
Post a Comment