اليوم .. و بينما كنا نجلس في خيمة العزاء
في ساعات المساء المتأخرة، أطلّت علينا ضيفتان.. انحنت الأولى نحوي لتسلم عليّ ولكن
الإضاءة كانت خلفها فلم أميّز ملامحها جيدا، فاكتفيت بالسلام من دون معرفة هويتها..
ظللت أراقبها و هي تسلم على البقية لأعرف من تكون (على أساس نعرف أقربائي كلهم!!!!)
و إذ بها سمية ابنة الدكتور عمر النامي...
بعد أن أكملت السلام جلست بجانب صديقتها
صفية، و بعد برهة أقبلت سيدة أخرى تسلّم علينا، لفتت عينيها انتباهي، لانهما تشبهان
جدا عيني سمية، سألت قريباتي من تكون هذه السيدة، فأجابوني هذه زينب، ابنة الدكتور
عمر النامي... كانت هذه اول مرة أرى زينب ... سمعت عنها الكثير، و أخيرا التقيت بهذه
الشخصية التي لطالما تمنيت التعرف عليها شخصيا .. لكنها جلست بعيدة عني مع بعض السيدات
فلم أتجرأ على الاقتراب منهن و قطع جلستهن ... و في ذات الوقت كانت خالتي تجلس بالقرب
منا، فروَت لنا قصة تفجير بيت الدكتور ..
قالت خالتي انه في ذلك اليوم كان لديهم
امتحان في المدرسة و سمية أو حنان اختها و زينب كنّ في المدرسة .. عندما أكملت خالتي
الامتحان و بينما كانت في طريق العودة للبيت وجدت جنودا وصفتهم بالمرعبين، حجمهم كبير
و شعرهم (شفشوفة) و كانوا يضعون الديناميت حول البيت .. و كلما اقترب احد من المنطقة
يطردونه ليعود أدراجه .. فعادت خالتي مسرعة إلى المدرسة لتخبر المعلمات بما رأت
..... و فجأة يسمع صوت انفجار رهيب، فصرخت الطالبات و تطايرت أوراق الامتحان في المكان
من هول الانفجار ...
وصفت خالتي حال المدير بأنه توجه مسرعا
نحو موقع الحدث ... اما حنان أو سمية فأخذتها خالتي لحجرة الإدارة لتكمل امتحانها و
كانت تبكي منهارة ... أما بالنسبة لزينب فقالت خالتي بأن الصدمة لم تكن سهلة عليها
فقد كانت في بعض الأحيان تحتاج لحبوب مهدئة لتخفيف هول الصدمات التي تعرضت لها أسرتها...
ظللت أفكر في تلك اللحظة في المعاناة التي
قاستها زوجته و أبناؤه... و رويدا انتقلت بتفكيري لكل الأسر و الأطفال الذين فقدوا
أهلهم و عاشوا تلك المعاناة .. فأضافت ابنة خالتي زوجة المرحوم ابن عمي.. أضافت قائلة
بأن صديقة عمرها، والدها كان معارضا و يعيش في مصر و طوال فترة صداقتهما لم تخبر أحد
قط بهذا و ابنة خالتي لم تعرف شيئا حتى توفي والد صديقتها فأخبرتها على الهاتف و هي
منهارة تبكي .. يا للهول، نعيش في رعب حتى من أن نقول سبب وجود والدنا بعيد عنا؟؟؟
تذكرت عزات المقريف و أبنائه الذين تركوا
أطفالا في ظل اختفاء والدهم بسبب الطاغية و تذكرت من عاش حياته في الخارج مرغما ليحارب
هذا المجنون .. من آثر التضحية و العيش خارج وطنه لأجل وطنه!!
البعض أحيانا يستهزئ بكل هذا، و يتهمهم
بأنهم عاشوا في الخارج و استمتعوا .. أرد عليهم ... أبدا .. من الممكن أن يكون ردي
عاديا بالنسبة لكم، لكنه يعني لي الكثير.. عندما سافر خالي و زوجته و اطفاله لغرض استكمال
دراسته، كان المخطط أربع سنين فقط، كانت بالنسبة لنا دهرا، لم نتمكن من استيعاب فكرة
أن نفارق أبناء خالي طوال هذه المدة.. بكينا قبل سفرهم و بعد سفرهم شعرنا نحن من نعيش
داخل وطننا بالغربة ممزوجة بالكآبة و الحزن .. لأن أحبابنا بعيدون عنا، فما بالك بمن
هو خارج وطنه مرغما و غير قادر على العودة إليه؟!
لعنة الله عليك يا معمر .. لعنة الله عليك
No comments:
Post a Comment