أغلب شباب شارعنا غير متعلمين أو بالأحرى لم يكملوا تعليمهم سواء أكان الأساسي أو الإعدادي أو الثانوي، فقد كانوا منذ طفولتهم عشاقا للشارع، التسمر فيه مع آخرين مثلهم كان يشعرهم بالحرية !! الجلوس أمام البيت أي في الشارع مرتدين "شورت و كاناتيرا" يشعرهم بأنهم رجال!! قيادة الافيكو أو التاكسي و اختراق نظام السير و القيادة بجنون و التدخين يشعرهم بالاستقلالية !!!!!!
معايير رائعة للحياة التي يطمحون لعيشها ، هذا إن كان لديهم طموح من الأساس، يسهرون في الشارع مع غيرهم من الفاشلين، يرفعون صوت مذياع أحد سياراتهم في منتصف الليل ويقلقون راحة باقي الجيران، يدخنون و يتبادلون أطراف الحديث بأصوات عالية غير مبالين بأحد، أمام بيتنا ساحة صغيرة أصبحت محطة لباصاتهم أو بالأحرى "أفكيواتهم"، ورشة صيانة على ورشة غسيل على ملتقى تبادل الثقافات مما يستمعون له أثناء سيطرتهم على الطريق و هم يقودون، صراعاتهم في البيت لا تتوقف، فتارة تجد النساء في البيت يصحن و تارة تجد أحدهم يخرج من البيت ووجهه ملطخ بالدم جراء اقتتال حدث في البيت و غير ذلك الكثير من الأحداث التي تحدث في شارعنا الذي لم أحبه يوما لا هو ولا من يقطنون فيه لأنني أعرف جيدا طبعهم و حقدهم علينا الذي لم يتوانوا يوما عن إخفائه، حقدهم على الأمازيغ.
هذه الفئة كانت من ضمن من كانوا يساندون نظام القذافي، كانوا يختفون أثناء النهار، و يظهرون في الليل يحومون في الشارع و يتجمعون ثم يتفرقون ثم يتجمعون من جديد، سيارة تأتي وتنزل أحدهم و أخرى تأخذ الآخر و هكذا.. مرة ترى أحدهم يحوم في الليل وهو يحمل رشاشا، ومرة يشعلون نارا ثم يقوموا بإطفائها، تارة أخرى أحدهم يغضب من أتباع النظام فيقرر أن يصبح معارضا وبعد فترة تجده قد استلم بندقية ليستعيد هذا الأحمق اعتباره كما يعتقد، يجوب بها الشارع في وضح النار ثم يسملها لأبله آخر لم يتجاوز العشرين بعد و يصنف ضمن نفس الفئة الفاشلة دراسيا و العاشقة للقيادة و التي لم يتعلم غيرها و لن يتعلم ، بكل بلادة يتدرب على استخدامها في الشارع أمام مرأى من الناس، و الأطفال يلعبون في الخارج، ثم يأتي أبله آخر غير أنه كبير في السن ، متزوج ، لديه أطفال لكنه من نفس المدرسة، سائق تاكسي أيضا، لا يبدوا عليه العلم فهو دائما جالس على عتبة بيتهم يراقب الناس و بالأخص النساء... هذا الرجل الآخر الذي تركض طفلتاه طول الوقت في الشارع لم يخف على سلامتها أو حاول أن ينصح الأحمق تحت العشرين بأن يحذر أو ألا يستخدم البندقية هكذا بل كان مستمتعا بهذا الكنز الثمين ويتباهى بأنه جربها!!
إن مجرد منظر البندقية أو بمعنى عام مجرد فكرة وجود سلاح في المنطقة يشعرني بعدم الشعور بالأمان، فقدت هذا الشعور كليا الآن، بالذات و أن بيتنا وبيتين آخرين هما شبه البيوت الوحيدة التي كانت مع الانتفاضة، أما البقية فقد كانوا شبه جميعا مع النظام المجرم.
بينما كنا نستمع لنشرة أخبار "قناة الجزيرة" في غرفة المعيشة و التي كان لها نافذتان مطلتان على الشارع و كان البعض يحاول الجلوس تحتها للتصنت و قد كان هذا واضحا جدا، قامت أختي لتغلق النافذة و إذ بها تفاجئ بمن اصبح يمتلك بندقية ممسكا بها مصوبا لفوهتها على أختي التي كان وجهها يظهر من النافذة في تحد سافر و علني.. هنا شعرت أختي بخوف شديد، وفي نفس الليلة كنا نسهر على أحد المسلسلات التركية (ملاحظة: لم أكن أتابعه، إذ أنني كرهت المسلسلات التركية مذ حضرت مهند و نور، لكن البقاء في البيت تلك الفترة و الأخبار المتواصلة أفقدتني عقلي فاضطررت لمتابعة سنوات الضياع و غيره من المسلسلات!!) المهم، كانت إضاءة الغرفة منارة فانتبهنا لها و أطفأناها مع الساعة الواحدة إذ أنه موعد انتهاء المسلسل و بدء فقرة الضحك و القرف في آن واحد و التي تتمثل في "هالة المصراتي" ، هنا بدأت الحركة في الشارع، تارة يجد من يتمشى بالقرب من نوافذ الغرفة و تارة يختفون، و في النهاية قام صاحب البندقية فجأة بإطلاق طلقتين جعلني أقفز من مكاني من الخوف، إنه لا يبعد عن مكان جلوسنا غير أمتار لم تتجاوز العشرة، هنا أدركت أنا و أختي أن موعد النوم قد حان أو بالأحرى موعد إطفاء جميع الأضواء، توجهت هي إلى فراشها و أنا قررت أن أوثق ما حدث اليوم، فالشعور الذي انتابني بمجرد معرفتي بوجود سلاح ومقارنتي بأنني لم أكن أفكر أبدا في هذا قبل الانتفاضة لأنني كنت متأكدة من أنه لا وجود لمسلحين و كنت أشعر بالأمان أملكني الرغبة في الكتابة، أرجو أن تكون مقالتي القادمة بعد تحرننا ورجائي أن أكون حاضرة مع باقي الأحرار من شعبي.
No comments:
Post a Comment