Wednesday, May 18, 2011

الشهيد عبد الحكيم خليفة المقدمي




استشهد يوم أمس الثلاثاء الموافق 17-5-2011 في مدينة نالوت وهو في أجمل سنوات عمره، فلقد بلغ لتوه العشرين، عند بداية قيام ثورة السابع عشر من فبراير و ووصولها إلى طرابلس انتفض عبد الحكيم كغيره من الشباب مع الثورة و كان سعيدا بأن كان كل جيرانه مع الانتفاضة، و لكن ما إن خرج القذافي و خطب ذاك الخطاب الهزلي المشؤوم انقلب موقف جيرانه منقلبا رهيبا مما أدى إلى شعوره بالغضب، فنصحته والدته بالتوجه إلى نالوت خوفا عليه من أن يخرج من شدة القهر مما رأى من ردة فعل الناس الجبانة.

توجه إلى نالوت و التحق بالشباب في الجبهة و دافع عن شرف وطنه و تنسّم نسائم الحرية و شعر بها، لكن القدر أبى إلا أن يختاره و يشرّف والدته و والده و جميعنا شرف أن يكون شهيدا، فقد استشهد إثر إصابته بسبب أحد القذائف، و تم دفنه ظهرا في مدينة نالوت الحبيبة.
العزاء كان في طرابلس، إذ أن والداه كانا هناك و لم يكن بإمكانهما الوصول إليه، توجهت أمي إلى العزاء في اليوم الأول ولم نذهب تخوفا من الوضع هناك، لكنني ذهبت في اليوم التالي.
الثامن عشر من شهر مايو : تحلق طائرات التحالف على طرابلس بكثافة منذ ساعات الظهيرة ، ثم بعد صلاة العصر توجهنا إلى العزاء، هناك لم أر أحداً يبكي، فقد كانت والدته صبورة جالسة على كرسي قرب باب الحجرة، ثم جلست في حجرة الضيوف التي كان باب المنزل مجاورا لها، كنت أتبادل أطراف الحديث مع بعض من النسوة لكن الحوار كان يشوبه الحذر كلما دخل أحد المعزين البيت ، و بالذات من لا نعرفهم، فجميع أقربائي معارضون حتى النخاع منذ أبد الآبدين.

كان يهمني أن أسمع شيئا أي أخبار جديدة، لأنني لم أبرح المنزل طيلة فترة الثورة، عدا بضع المرات القليلة التي لم أختلط فيها مع الغرباء أو الأصدقاء، فقد عزلت نفسي عن الجميع لأن الثقة أصبحت معدومة، فحتى ابتسامتك أو نظراتك للناس و أنت تمشي في الشارع تحتسب عليك، لكنني لم أحصل على أي شئ جديد، و قبيل آذان صلاة المغرب بقليل خرجنا للعودة للبيت.

و كالعادة و كما عودني البقاء في المنزل تابعت مسلسلا بعد مسلسل كي يمر الوقت ثم نشرة الأخبار فالحصاد المغاربي حتى يأتي موعد التفرج على شباب بنغازي و هو يتنسمون الحرية، أشعر بالألم والحزن الشديد عندما ينادون شباب العاصمة مطالبين بالضربة الحاسمة، أجد عيناي قد امتلأتا بالدموع بمجرد أن يتم ذكر طرابلس الأسيرة، عندما أسمع هتافاتهم، عندما أرى ابتسامة السعادة العريضة المرسومة على وجوههم، عندما أسمع المحللين و الأدباء و المفكرين الذين كانوا مختفين، عندما أحضر المحاضرات و الملتقيات على الجزيرة ، كل هذا يشعرني بالسعادة و الفخر و في نفس الوقت بالحزن الشديد على ما وصل إليه الحال، عندما أرى عدد الضحايا يزداد، عندما أسمع أي خبر أو أي شئ تخالجني مشاعر متضاربة تشل حركتي وتمنعني من إظهار أي مشاعر، لكنها لم تسمح يوما ولو للحظة بأن أستسلم أو أفكر في انهزام هذه الثورة ، فمنذ بدئها و أنا على يقين بأن الله سينصرنا، و أن النصر قريب.

ولكن فجأة ومع تمام الساعة الواحدة و الثلث صباحا بدأت أسمع صوت تبادل لإطلاق النار، و قد كان من طرفين، كان الصوت من جهة السياحية و غوط الشعال، في البداية كان الصوت بعيدا لكنه بدأ يقترب، و فجأة نسمع إطلاق رصاص من منطقتنا و قد كان قريبا جدا و استمر تبادل إطلاق النار بنفس الوتيرة ما يقارب الساعة، و بعدها بدأ يخفت و يقل لكنه مازال مستمرا، فالساعة الآن الثالثة و خمس دقائق ولا زلت أسمع أصوات إطلاق الرصاص، لكن الغريب بأن طائرات التحالف لم تأت بعد!! لقد تأخرت ، هل تصدقون بأنني أدعو أن يسدد الله خطاهم و ضربا تهم كلما أتوا ليلا، و هل تصدقون بأنني أشعر بالأمان عندما أعرف بأنهم يطيرون في الأجواء؟؟

قبل أن أقرر أن أكتب ما حدث الليلة بعد أن خفّ إطلاق النار كان هناك شباب في الشارع و كانت أصواتهم عالية بعض الشئ فأردت أن أسترق السمع قليلا، فإذا بثلاث شباب جالسين أمام جراج جارنا يتبادلون أطراف الحديث، و أحدهم يعاني الحازوقة بسبب شربه للخمر، نعم كان هناك شباب تحت تأثير الخمر يجولون الشوارع في تلك الأجواء، بدأوا يعلقون على حازوقة ذاك الأبله أما هو فقد كان يبرر أنها ليست بسبب ما شرب من خمر !!! ثم بدأ أحدهم في الغناء... بينما كنت أستمع لحوارهم التافه جدا كنت أفكر في شئ، و هو الحال المزري الذي أوصل ذلك المجنون الشعب الليبي إليه، إطلاق رصاص و قتل و قنابل و سكارى في الليل يجوبون الشوارع و سلاح عند من لم ليس له أدنى وعي كي يحمله و إعلام يرفع الضغط ووقاحة لم أرى مثلها في حياتي، و طوابير من السيارات للحصول على البنزين، الشوارع شبه فارغة، ليست هذه هي طرابلس نفسها التي أعرفها بازدحامها.

الساعة الآن الثالثة و الربع وما زلت أسمع صوت إطلاق النار مع وجود سيارات تجوب الشارع كل حين، لكن السكون خيّم على جيراننا مع أنهم من محبي السهر و السمر في باب العزيزية، غريب ما حدث لهم، فجأة عندما بدأ قائدهم يضعف ضعفوا هم أيضا، ألم يكونوا يقولون بأنهم سيضحون من أجله؟؟ ما هذه المهزلة، إلى متى سيقررون مصيرهم بناء على مصالحهم لا لأجل إحقاق كلمة الحق؟؟

طرابلس تحوي ثلاث أصناف من الناس، معارضون صامتون وينتظرون اللحظة الحاسمة للانقضاض على المجرم دون أن يظهروا شيئا للعيان ودون أن يعبروا عن شعورهم لأي كان، و الصنف الثاني المؤيدون للمجنون و الذين يقتلون و يسرقون و يفاخرون بالمجنون و يستغلون هذه الفترة للنيل ممن لم يكونوا محبين لهم، فهذه فرصة لأخذ الثأر، فكل من كان يملأ قلبه بعض من الحقد أو الكراهية أو الحسد تجاه أي شخص يمكنه ببساطة أن يبلغ عنه و بذلك يكون قد أنهى حياة الشخص و حقق مأربه، و قد كثرت هذه النماذج جدا أثناء الانتفاضة، ثم الصنف الثالث الذي لم ولن يحدد موقفه أبدا، فهو إما مع الثوار عدما يقتربون من الانتصار أو مع المجرم عندما يكون قويا أو عندما خيل لهم أنه قوي، أو يتظاهر احدهم بأنهم يريد السلام و بأنه لا مع هذا ولا مع ذاك، و هذا الصنف يسمى بالأناني المنافق، فمصلحته فوق كل شئ.

سمعت من أحد أنصار الصنف الثالث رد لست أعرف تأثيره عليكم، لكنه صدمني للحظة قبل أن أدرك بأن هناك فعلا قلوب مريضة كثيرة، إذا أن فتاة تدرس في معهد كمبيوتر علّقت على ما يجري بعد أن سألتها فتاة أخرى عن موقفها و عن من تناصر، فردت قائلة: "فخّار يكسّر بعضه"!!!!!!!!!

حمدت الله كثيرا على أن عملي موقوف حاليا، فلو كنت أرى و أسمع ما يحدث في الخارج لكنت ارتكبت جريمة أو التحقت بالشباب في بنغازي، فالأغبياء من الصنف الثالث لا يكتفون باختيارهم للفريق الخطأ، بل إنهم يدافعون عنه أيضا أمام الجميع ، طيب على الأقل اسكتوا و احفظوا لسانكم، فكل ما ستقولون سيظل محفورا في تاريخكم، لماذا يعتقد الناس بأنه لا بد من النفاق، لماذا لا يسكتون للحظة ليشعروا كم هو جميل السلام أو الهدوء بالأحرى بدلا من كلامهم السخيف و الذي يعتبر أغلبه تكرارا لما قال المجنون في خطابه السخيف ذاك.

أعذروني على ما استخدمت من كلمات، فليس لدى ما أفعله الآن غير الانتظار و الكتابة، فلربما خفف عني هذا بعض الشئ.
لم أعد أسمع أصواتا الآن، يبدو أنهم توقفوا، و أعتقد بأنه يجب أن أذهب للنوم.

تصبحون على سلام

No comments: